محمد شعوان محمد شعوان
recent

آخر الإضافات

recent
random
جاري التحميل ...
random

الذاتية والموضوعية في البحث العلمي - المشكلة والحل


على سبيل الاختصار:
المقصود بـ"الذاتية" : ذات الباحث (ماله علاقة بذات الباحث: إيديولوجيته، أحكامه المسبقة، تجاربه، أفكاره...).
المقصود بـ"الموضوعية" : موضوع البحث (ماله علاقة بموضوع البحث)
المقصود بـ "إظهار ذات الباحث في بحثه" : أي إظهار رأيه، وتعليقه على النصوص المقتسبة وعلى عناصر بحثه.


 (أنظر الأمثلة أسفله)

   من العوائق المنهجية التي تعترض البحث العلمي، ما يسمى بـ"عائق الذاتية"، أي أن تتدخل ذات الباحث في موضوع البحث، لتوجيهه خارج إطار البحث العلمي الأكاديمي.. وعندما نقول إن على الباحث أن يكون موضوعيا، أي ينبغي عليه أن يتخلى عن الأسباب الذاتية (إيديولوجيته، أحكامه المسبقة...) التي تتدخل في موضوع بحثه.. وحسب الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله، فإن هذا التدخل قد يكون إراديا وقد يكون لا إرادي.. وتفصيل ذلك كما يلي:

التدخل الإرادي: ويكون بِنيّة وقصد الطالب توجيهَ بحثه اتجاها يخدم رغبته أومذهبه أو اتجاهه الفكري أو السياسي..
 

مثال: 
أن يدرس الطالب مذهبا معينا ( المذهب الاعتزالي / السلفي / المالكي / الحنبلي...) فينتصر لمذهبه ويقصي الآراء الأخرى، وقد يبذل وسعه ليجعل الحقيقة من نصيب مذهبه فقط، ويرمي بمجانبة الصواب للطرف الآخر، سالكا في ذلك سبلا غير علمية.. وقد لا يذكر آراء الخصم إلا للتنقيص منها.. وإذا وجد نصا يدين مذهب الخصم أتى به، وإذا وجد نصوصا في مصلحة المذهب نفسه أهملها.. 

فهنا نقول: إن كرهه للمذهب الآخر أثّر على موضوع بحثه. أي إن ذاته تدخلت في موضوع البحث حتى يظهر مذهب الخصم بأنه مذهب الأشرار لا خير فيه، وكذا لكي يظهر مذهبه بأنه مذهب الأخيار لا شر فيه.

التدخل اللاإرادي: ويكون الأمر كذلك عندما تدرس الذات نفسها، حيث تتدخل الذات في الموضوع مستفيدة من تجاربها..
 

مثال:
أن يدرس الباحث ظاهرة "الفشل الدراسي"، فيذكر أن السبب الأكبر في هذا الفشل يعود للمدرسين أو الدولة أو الفقر.. انطلاقا من تجربته أو حالته الخاصة، وقد يدفعه الحال لتحاشي ذكر أسباب أخرى لها دور في الظاهرة، أحيانا دون أن يعي بذلك..

كيف يمكن تجاوز هذا العائق:
حسب الدكتور فريد الأنصاري فإنه يمكن تجاوز ذلك باعتماد شيئين اثنين:
 
بالنسبة للتدخل الإرادي:
نتجاوزه باعتماد الموضوعية والعدل كيفما كان الحال، انطلاقا من قوله تعالى: { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنآنُ قَوْمٍ عَلى ألاَّ تَعْدِلُوا. إعْدِلُوا هُوَ أقْرَبُ للتَّقْوى } (المائدة 8 ). وكذلك علينا أن ننقل عن الآخر من مصادره الأصلية، لا أن ننقل عنه من طريق ثالث قد يشوه الحقيقة.

=> لنفترض أنني أنجز بحثا عن علاقة الفقهاء بالحكام، فلو قلت إن الفقهاء كانوا في خدمة الحكام والسلاطين (لأنني أكره الحكام والفقهاء معا)، فما عدلت وتَدَخَّلَتْ ذاتي في البحث.. أما الموضوعية والعدل كأن أقول إنهم فِرَقٌ شتى، منهم من والى الحكام ومنهم من عارضهم، وللمزيد من الموضوعية والعدل أن أذكر الأسباب الحقيقية التي دعت الموالين للحكام لتلك الموالاة.
كذلك من الموضوعية والعدل أنني إذا نقلت عن طائفة فأنقل من مصادرهم المعتبرة، مثلا: لو كنت أتحدث عن المعتزلة، فيجب أن أرجع إلى مصادرهم وأنقل آراءهم وتفسيراتهم، ولا أنقل عن خصومهم إلا إذا كان هذا النقل للرد على ما قاله المعتزلة.

أما بالنسبة للتدخل اللاإرادي: 
يمكن تجاوزه عن طريق محاسبة النفس وعدم تزكيتها، وذلك امتثالا لقوله تعالى: { فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ } ( النجم: 32 ).
=> لنفترض أنني أستاذ مدرس، وأنجز بحثا عن "فشل التعليم"، فإذا قلت إن السبب هو وزارة التعليم، والطلبة والتلاميذ وآباؤهم، أما الأساتذة فيبذلون جهودا كبيرة، ولا يتحملون المسؤولية. فهنا تدخلت ذاتي في البحث، وزكيت نفسي وغيري من المدرسين.. والموضوعية أن أقول إن لكل طرف جزء من المسؤولية عن فشل التعليم، ومن بينهم الأساتذة المدرسون أيضا.

 الموضوعية لا تعني الحياد:
إن الموضوعية والعدل لا يعنيان الحياد، فالمطلوب من الباحث أن يكون صادقا في نقله وحكمه، لا يدلس ولا يخفي رأيا آخر له أهمية ووزن في موضوع البحث.. ثم بعد ذلك له أن يعرض رأيه ويرجح الصواب إن كان يراه حقا في مذهبه أو اتجاهه.. وهذا هو ما يُقْصَدُ بقولهم: "ينبغي أن تَظْهَرَ ذاتُ الباحثِ في بحثه"، أي أن لا يكتفي الباحث بإيراد النصوص والاستشهادات بعدل وإنصاف فحسب، بل  عليه أيضا أن يذكر رأيه ويعلق على النصوص المقتبسة، ويرجح الموقف الذي يراه أقرب للصواب إن كان الأمر يفرض ذلك.

=>  لنفترض مثلا أنني أريد البحث في صفات الله تعالى كما وردت في التوراة عند اليهود، فلا يمكن أن أنتقي نصوصا منها لأثبت للإله صفات معينة وأخرج بنتيجة مفادها أن الإله في توراة اليهود مجسم له صفات بشرية لا غير، ثم بعدها أسخر من "دينهم"،.. فقد يكون الدافع هنا - كرهي لليهود - مؤثرا على جودة البحث، وقد لا يساعدنا ذلك في فهم الآخر للحوار معه أو دعوته.. وكما أننا نطلب من الآخر أن يكون موضوعيا في الحكم علينا، فهذا الأمر ينبغي أن نطبقه نحن أيضا على أنفسنا..
وفي المثال أعلاه يجوز لي – بعد عرض النصوص والآراء المتعددة بعدل وبإنصاف – أن أتدخل وأنتقد – بموضوعية – وأبين الحق الذي أراه حقا، وأرجح الطريق الذي أراه أحق بالاتباع.. 

وللإشارة، فإن الكذب في البحث قد يكون له نتائج عكسية؛ قد يفقد القراء الثقة بالكاتب.. وقد ينقلبون إلى نقيض ما كان يدعو إليه، خصوصا إن أحس قراؤه بأنه كان يخدعهم ويخفي الحقيقة عنهم...

خلاصة:

- عند نقل النصوص والاستشهادات، يجب على الباحث أن ينقل النصوص التي لها علاقة بموضوع البحث، ولا ينتقي منها فقط ما يخدم فكره وتوجهاته. ثم عليه أن يكون عادلا في حكمه ونقله = [ حتى لا تؤثر ذات الباحث على بحثه].
- يجب على الباحث أن يعلّق على تلك النصوص التي استشهَدَ بها، بأن يُبدي رأيه فيها؛ يشرحها ويفسرها أو ينتقدها بعلم وموضوعية كذلك..  = [ حتى تظهر شخصية الباحث في بحثه].

= = =
مصدر التدوينة: شخصي + أبجديات البحث في العلوم الشرعية للدكتور فريد الأنصاري


أنظر أيضا:
 
  1. وهل الذاتية تكمن فقط في التعليق على النصوص التي نستشهد بها ؟

    ردحذف
  2. وهل الذاتية تكمن فقط في التعليق على النصوص التي نستشهد بها ؟

    ردحذف
    الردود
    1. إذا كنت تقصد " مدى ظهور ذات الباحث في بحثه"، فيكون ذلك عبر التعليق على النصوص، وكذلك تحليل الموضوع بشكل عام، لنأخذ مثلا بحثا حول ظاهرة "أطفال الشوارع"، يمكن هنا أن أبدي رأيي، وأوضح الأسباب والحلول..
      المهم ألا يُكتفى بمجرد نقل النصوص، وحتى يظهر للقارئ أن الباحث متمكن من بحثه، عارف بخباياه.

      حذف

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

محمد شعوان

2017 - 2018