محمد شعوان محمد شعوان
recent

آخر الإضافات

recent
random
جاري التحميل ...
random

مدينة الأرامل ...


- - - - - - - - - - - - 
مدينة الأرامل في الهند 
- - - - - - - - - - - -


جذور هندوسية
يعتقد كثير من المحافظين الهندوس أن المرأة التي مات زوجها لا ينبغي لها أن تعيش، لأنها فشلت في الإبقاء عليه حيا.  فلا يكون لها من خيار حينئذ إلا الانزواء أو اللجوء إلى السكن في إقامات للأرامل في معابد تُدار من طرف بعض المقاولات الحكومية والخاصة.. هناك حيث يلبسن الأبيض ويدركن أنهن لن يرجعن إلى بيوتهن حتى نهاية حياتهن..

وطبقا للتعاليم الهندوسية، فإن الأرملة لا يمكن أن تتزوج مرة ثانية، بل يجب عليها أن تختفي في بيتها وتنزع عنها الأساور وتلبس ثياب الحداد. لأنها أصبحت مصدر شؤم لعائلتها. وتفقد من ثمة المشاركة في الحياة الدينية وتعزل عن المجتمع. أو تصير صيدا لتجار الرقيق الأبيض.

تعتبر هذه النظرة الدونية للمرأة الهندية الأرملة قديمة، عندما كانت تُخيّر بين أن تحرق نفسها بعد زوجها المتوفى أو أن تعيش منبوذة من أهلها ومجتمعها. 

   طقس الساتي.. إحراق الزوجة بعد وفاة زوجها 
يحكي ابن بطوطة في رحلته إلى الهند عن طقس إحراق المرأة لذاتها قائلا: “ ولما انصرفت .. رأيت الناس يهرعون من عسكرنا ومعهم بعض أصحابنا، فسألتهم: ما الخبر؟ فأخبروا أن كافرا من الهنود مات وأججت النار لحرقه، وامرأته تحرق نفسها معه، ولما احترقا جاء أصحابي وأخبروا أنها عانقت الميت حتى احترقت معه، وبعد ذلك كنت في تلك البلاد أرى المرأة من كفار الهنود متزينة راكبة والناس يتبعونها من مسلم وكافر، والأطبال والأبواق بين يديها ومعها البراهمة وهم كبراء الهنود، وإذا كان ذلك ببلاد السلطان استأذنوا السلطان في إحراقها فيأذن لهم فيحرقونها"
يسمى طقس الإحراق هذا بـ"الساتي" (Sati) أو (Suttee) يُعتقد أن تاريخ بدايته يعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد. واكتسب شعبيته في القرن العاشر، ولم يتم إلغاؤه إلا في القرن التاسع عشر أثناء الاحتلال البريطاني لشبه الجزيرة الهندية.
يؤكد كثير من الباحثين المعاصرين أن هذا الطقس الهندوسي كان استثناء، وقد أشار ابن بطوطة أيضا إلى أنه (الطقس) لم يكن يدخل ضمن دائرة الواجب : “ وإحراق المرأة بعد زوجها عندهم أمر مندوب إليه، غير واجب، لكن من أحرقت نفسها بعد زوجها أحرز أهل بيتها شرفا بذلك ونسبوا إلى الوفاء، ومن لم تحرق نفسها لبست خشن الثياب، وأقامت عند أهلها بائسة ممتهنة لعدم وفائها، ولكنها لا تُكره على إحراق نفسها".
 

 الإبعاد إلى "فريندافان" وفارانسي"
إلا أنه ورغم إلغاء طقس الإحراق، فلا تزال المرأة الأرملة في الهند تُجابَه بالرفض والهجران والاستغلال، ومن بين الوسائل للتخلص منها؛ الدفع بها لأماكن محددة تقضي فيها بقية حياتها. ومنها بعض المعابد في مدينة فريندافان (Vrindavan) التي تعتبر موطن أزيد من عشرين ألف أرملة..
أغلب الأرامل يتم طردهن أو يهربن إلى المدن الكبرى حيث لا يُعرفن، وبعضهن يذهبن إلى المدينة الهندية المقدسة فرناسي (Varansi)، بينما تتجه الأخريات إلى فريندافان، حيث "الرب" كريشنا، الإله الذي تتوجه كثير من الأرامل لعبادته.
    بعد قدومهن لـ"فريندافان" على الأرامل أن تبدأن حياتهن وحدهن من جديد، مهمشات مجتمعيا ومرفوضات من أقاربهن، هنا ينتظرن الموت في وحدة بئيسة وضيق قاس. لكن شيئا فشيئا بدأت كثير منهن في تحد العزلة وبناء حياتهن من جديد.

 


 حكايات المبعدات.. 
تقول “كيارتي" أنهن ينهضن كل صباح باكرا، وتذهب بعضهن إلى ضفاف يامونا Yamuna للاغتسال ويمارسن الطقوس الدينية المسماة بـ Puja قبل أن يرجعن إلى المعبد (المأوى) ليكملن طقوس العبادة ويمارسن حياتهن الاعتيادية من طبخ وغيره..
وتقول "لاليتا" أنها تعيش هنا منذ 12 عاما، لم تكن تتوقع "لاليتا" يوما أنها ستضطر لتسول الطعام، لكن بعد وفاة زوجها وهي في 45 من عمرها تم طردها من قبل أقاربها، لتتيه في الشوارع قبل أن يساعدها أحد الأشخاص لبلوغ فريندافان، حيث سيكون مأوى لها لم تغادره قط.
“تولسي" ذات الثامنة والستين عاما، من قرية بالقرب من كالكوتا، استولى أصهارها على ميراث زوجها، ودفعوا بها وبأبنائها إلى منطقة فقيرة جدا، ثم أخذها أحد أبنائها إلى مدينة فريندافان بحجة التقرب إلى الرب كريشنا. وبعد زيارة المعبد، قال لها إنها من الأفضل أن تستقر في المدينة رغم عدم رغبتها في ذلك. تركها هناك ولم يعد، وهي لا تزال تعيش في فريندافان لمدة 12 عاما.
وهناك حالات كثيرة وقصص مشابهة. 


  أمل...
ورغم أن وضعية الأرامل في الهند آخذة في التحسن إلا أن العار الذي يمثلنه في مجتمعهن يصعب محوه بين عشية وضحاها، وخصوصا في المناطق البدوية والفقيرة كولاية غرب البنغال.
وتعمل بعض المنظمات المهتمة بالتنمية حاليا على الدفع بهن، لممارسة أعمال اقتصادية وبناء مشروعات، كما تقوم بحملات إعلامية لمحو الصورة السيئة التي وصمن بها. ويحاولن كذلك الاندماج من خلال الاشتراك في بعض المواسم والاحتفالات الدينية كموسم Holi [الصورة أدناه] لتغيير نظرات المجتمع إليهن. بالإضافة إلى إصدار قوانين تحد من ثقل العادات والتقاليد.
 

 - - - - - - - - - - -
مصادر الصور [Photos sources]
 - الصورة الأولى (photo1)
- الصورة الثانية (photo2)
- الصورة الثالثة (photo3) 
- الصورة الرابعة (photo4)

مصادر الموضوع: 
- رحلة ابن بطوطة، نشر أكاديمية المملكة المغربية، الرباط، 1417 هـ، ج. 3

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

محمد شعوان

2017 - 2018