محمد شعوان محمد شعوان
recent

آخر الإضافات

recent
random
جاري التحميل ...
random

من المسؤول عن تشويه صورة التاريخ الإسلامي؟ - يوسف القرضاوي

من المسؤول عن تشويه تاريخنا الإسلامي؟ - يوسف القرضاوي

www.pixabay.com

مختصر من كتابه " تاريخنا المفترى عليه"


من المسؤول عن تشويه صورة التاريخ الإسلامي؟
يرجع الشيخ القرضاوي المسؤولية للمسلمين أنفسهم قبل غيرهم، ويحصر هذه المسؤولية في ثلاثة أصناف: المؤرخون والأدباء والمحدثون.
 
1- مسؤولية المؤرخين المسلمين وتتمثل – حسب رأيه – في أربعة أمور:

أولا: تساهلهم في رواية الأحداث المتعلقة بالفتن بين الصحابة وبدولة بني أمية: 
حيث لم يخضعوها لميزان الجرح والتعديل كما فعلوا بخصوص الروايات المتعلقة بأحكام الفقه وغيره. فالإمام الطبري على سبيل المثال حين صنف في الحديث أو في الفقه أو في التفسير، يعرض الروايات ويحلل أسانيدها ويعرّضها للنقد، كما في كتبه: "اختلاف الفقهاء"، و"تهذيب الآثار"، و"جامع البيان". ولكنه لم يفعل ذلك في كتابه "تاريخ الرسل والملوك"، بل نقل عن رواة ضعفاء مجرَّحين. وهذا ما دفع الشيخ القرضاوي في كتابه "ثقافة الداعية" إلى التحذير من الاغترار بكل ما يُروى في كتب التاريخ، وبالخصوص ما تعلق بتدوين التاريخ وتفسيره.
 
- تدوين التاريخ:

ليس كل ما تحويه كتب التاريخ صحيحا مائة في المائة: وذلك بسبب الأهواء والعصبيات السياسية والمذهبية التي كان لها التأثير في كتابة التاريخ. ويَرجع الشيخ القرضاوي إلى الإمام الطبري فيقول إن الفكرة المهيمنة عليه عند كتابه تاريخه هي: التجميع والتسجيل دون الانتقاء أو التمحيص. ثم يسوق أعذارا ثلاثة لمنهج الطبري - ومن في طبقته - في روايتهم للتاريخ، وهي:

- أنه يجمع كل الأدلة والشواهد في قضية ما، حتى مع علمه بتفاهة بعضها وضعفها، اعتمادا منهم على أن كل شيء سيُقدر بقدره.

- حين يروي الحوادث بسندها إلى من رواها، فهو يرى أنه بذلك يلقي عهدتها على من رواها، وكان هذا مقبولا في زمنه حيث يستطيع العلماء أن يعرفوا رجال السند ويحكموا لهم أو عليهم. ولذلك روى عن المجرَّحين، أمثال: ابن إسحاق صاحب السيرة، والواقدي، وهشام بن محمد الكلبي، وسيف بن عمر التميمي وغيرهم ممن سُمُّوا بـ"الأخباريين"، أي الذي يجمعون الأخبار من هنا وهناك دون تمحيص.

- وهناك عذر آخر للطبري في عدم تمحيص ما رواه في تاريخه: أن الموضوع لا يترتب عليه حكم شرعي من تحليل أو تحريم أو إيجاب أو غير ذلك. ويرى الشيخ القرضاوي أن ذلك كان خطأ من الإمام الطبري؛ لأنه فتح الباب لمن بعده، كابن الأثير وابن كثير، ثم جاء المعاصرون والمستشرقون فاعتمدوا على هؤلاء، وعَدُّوا ذلك علما وتحقيقا.

ثانيا: الولع بالغرائب وضعف الحس النقدي: 
ولقد ذكر أئمة الحديث أن من علامات الحديث الموضوع المكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكون فيه مبالغة مرذولة في الوعد أو الوعيد، كالحديث الذي يقول: لقمة في بطن جائع خير من بناء ألف جامع، والحديث الذي يضمن الجنة لمن سُمي محمدا. ويسوق القرضاوي: ما نقله ابن خلكان وغيره فيما أنفق في عرس بوران بنت الحسن بن سهل في زواجها من الخليفة المأمون، فقد ذكروا ثَمَّ أحداثا وأرقاما خيالية. وقد عاب ابن خلدون على من قبله من المؤرخين قَبُولَ ما ينقل لهم من الأخبار دون تمحيص لها. ودافع عن هارون الرشيد وردَّ حكايات الأخباريين وتشويههم لحياته.

ثالثا: الاقتصار على تاريخ الملوك والحكام (التاريخ السياسي):
 ولم تعط مساحة كافية للشعوب والجماهير والفئات والطبقات المختلفة في قلب المجتمع. وقد عدّ مؤرخ الإسلام شمس الدين الذهبي أنواع التواريخ التي تتناول شتى طبقات المجتمع فبلغت أربعين تاريخا، نقلها عنه الحافظ شمس الدين السخاوي في كتابه "إعلان التوبيخ لمن ذم أهل التاريخ"، ومن هذه التواريخ: سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وقصص الأنبياء عليهم السلام وتاريخ الصحابة والخلفاء، والملوك والدول، والوزراء، والأمراء والفقهاء، والحفاظ والنحاة، والقضاء، والمعلمين والوراقين والقصاص، والأطباء، والمتكلمين، والتجار وعجائب الأسفار، والأئمة، وأولي الدهاء... إلخ. وقد أضاف الشيخ القرضاوي تاريخ بعض الطبقات لم يذكره مثل أصحاب الحرف والمتنبئين وتاريخ البلدان... 

رابعا: إغفال النقط المضيئة في تاريخ الإسلام:
  ومن ذلك إغفالهم الحديث عن أهل الإصلاح والتجديد، أو عدم تخصيص مساحة تليق بهم.
والذنب – كما ينقل عن الندوي – ليس على المؤرخين فقط، بل على من يقتصر على كتب التاريخ الرسمي والمصطلح، ولا يتعدى هذه الكتب إلى الكتب التي لا تحمل اسم التاريخ، مثل كتب الأدب والدين والخطب والفتاوى والنوازل...

2- مسؤولية كتب الأدب:
أي تلك التي تروي حكايات الأدب في شعره ونثره وطرائفه وأقاصيصه.. وتقصد بذلك إمتاع القارئ وتسليته، وليس مقصودها التحقيق العلمي والتمحيص التاريخي.. ومنها كتب الجاحظ (الرسائل، كتاب الحيوان...)، كتاب الكامل للمبرد، كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه، وأهم كتاب يذكر هنا هو كتاب "الأغاني" للأصفهاني. فهذا الكتاب الأخير موسوعة كبيرة في الأدب ويتعلق بأحوال القرون الثلاثة الهجرية الأولى، وأجراه في الشكل على طريقة المحدثين، وفيه حكايات وغرائب وإن كانت لا تصدقها العقول فإنه يرويه بالإسناد. (رد على الكتاب الباحث والأديب العراقي وليد الأعظمي في كتاب عنوانه: السيف اليماني في نــ ـحر الأصفهاني صاحب الأغاني). ويرى الشيخ القرضاوي أن الأصفهاني روى عن الكذابين والمجروحين، لكنه يخالف وليد الأعظمي، ولا يعتبر الأصفهاني كذابا أو مجروحا.
 
3- مسؤولية المحدثين:

وذلك بما نقلوه – حسب الشيخ القرضاوي – من الروايات التي تحصر الخلافة الراشدة (خلافة النبوة) في مدة ثلاثين سنة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يكون بعدها الملك العضوض.
هناك محدثون لم يرووا شيئا عن مدة الخلافة، كالبخاري ومسلم، وإنما الذي روى ذلك أصحاب المسانيد والسنن والمعاجم، مثل الإمام أحمد وأبي داود والترمذي والنسائي والطبراني والبزار والحاكم وغيرهم، وهم لم يلتزموا فيما يروونه الصحة عدا الحاكم. وقد رووا جميعا هذا الحديث عن صحابي واحد غير مشهور، وحتى إن اسمه غير معلوم، وإنما عرفه بلقبه وهو "سفينة". وهو مختلف فيه (هل هو ثقة أو ضعيف).
ومثل هذا لا يعتمد عليه في الأحاديث التي تتعلق بشأن خطير، كتحديد مدة الخلافة الراشدة أو خلافة النبوة.
والحديث كما رواه الإمام أحمد في مسنده عن سعيد بن جهمان عن سفينة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الخلافة ثلاثون عاما، ثم يكون بعد ذلك الملك". قال سفينة: أمسِكْ: خلافة أبي بكر سنتين، وخلافة عمر عشر سنين، وخلافة عثمان: اثنتي عشرة سنة، وخلافة علي ست سنين. والمراد بالخلافة: خلافة النبوة.
على أن الحديث – على ما فيه – لم يصف الملك بـ(العضوض). على أن المسلمين رضوا تسمية الملوك منذ عهد معاوية إلى آخر سلاطين آل عثمان بـ(الخلفاء)، حتى ألغاها أتاتورك.
وفي حديث آخر رواه الإمام أحمد : عن النعمان بن بشير، قال: كنا قعودا في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان بشير رجلا يكف حديثه، فجاء أبو ثعلبة الخشني، فقال: يا بشير بن سعد أتحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الأمراء؟ فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته، فجلس أبو ثعلبة، فقال حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبرية، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج نبوة» ثم سكت، قال حبيب: " فلما قام عمر بن عبد العزيز، وكان يزيد بن النعمان بن بشير في صحابته، فكتبت إليه بهذا الحديث أذكره إياه، فقلت له: إني أرجو أن يكون أمير المؤمنين، يعني عمر، بعد الملك العاض والجبرية، فأدخل كتابي على عمر بن عبد العزيز فسر به وأعجبه ".
والحديث لم يحدد مدة الخلافة على منهاج النبوة، بل قال: فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها.
وتفسير راوي الحديث  بأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، جاء بعد الملك العاض والجبرية، اجتهاد منه، فلعل ما مضى من بني أمية لم يكن هو المقصود بالملك العاض، وملك الجبرية، وإن وقعت فيه مظالم كبيرة، ولاسيما زمن الحجاج الظلوم.
 
أحاديث الفتن:
ومما يؤخذ على المحدثين أنهم ساقوا أحاديث كثيرة في الفتن وأشراط الساعة، توحي إلى قارئها: أن الإسلام في إدبار والكفر في إقبال، وأن كل زمان شر مما قبله، وأن الخير يقل والشر يكثر، وأن الأخيار يتأخرون والأشرار يتقدمون، مما ترك انطباعا لدى الكثيرين: أنهم في آخر الزمان، وأن الساعة توشك أن تقوم، وأنها لا تقوم وفي الأرض من يقول: الله الله. ولاسيما مع شيوع الأحاديث الواهية والموضوعة التي تزعم أن هذه الأمة لن تكمل الألف سنة. ولم تشع الأحاديث المبشرة في الناس، شيوع الأحاديث المؤيسة والمحبطة، مع كثرة المبشرات من الأحاديث الصحاح.

حديث افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة:
وهو مما لام فيه القرضاوي المتأخرين من المحدثين تبنيهم افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، ومحاولة تقويته، وإن كان ضعيفا بكثرة الطرق، وهو لا يرقى بذاته إلى درجة الصحة، ولذلك لم يورده الشيخان البخاري ومسلم في صحيحهما. كما أن بعض الأحاديث لم تذكر أن هذه الفرق كلها في النار إلا واحدة. ولهذا طعن العلامة ابن الوزير في الحديث عامة، وفي هذه الزيادة خاصة، لما تؤدي إليه من تضليل الأمة بعضها لبعض، بل تكفير بعضها لبعض.
قال رحمه الله في كتابه "العواصم" وهو يتحدث عن فضل هذه الأمة، والحذر من التورط في تكفير أحد منها، قال: وإياك والاغترار بـ"كلها هالكة إلا واحدة"، فإنها زيادة فاسدة، غير صحيحة القاعدة، ولا يؤمن أن تكون من دسيس الملاحدة. 
وقد ضعف هذا الحديث غيره. وحتى إن حسنه ابن حجر وصححه ابن تيمية، فهذا الافتراق على هذه الصورة وهذا العدد لا يدل على أن ذلك أمر مؤبد ودائم إلى أن تقوم الساعة. وهذا الحديث على افتراض صحته، فهذه الفرق كلها جزء من أمته صلى الله عليه وسلم.

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

محمد شعوان

2017 - 2018